قرون طويلة تعاهدوا فيها على المحبة والحياة المشتركة هم
إخوة أحباب وجيران يتبادلون الزيارات يشاركون في الأفراح والأتراح كل حسب تقليده
ومعتقده، وإذا ما سألت فإنك ستسمع مصطلحات وتعابير تدل على قربهم، وأخيراً ستعرف
أنهم في "القريا" وفي محافل العزاء وكتقليد مشترك يتقاسمون حسنات الموتى ليس الهدف
إلا تعزيزاً للتعاضد والمحبة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
في البلدة التي تبعد 19 كم عن
مدينة "السويداء" والتي يتألف سكانها من أغلبية من الموحدين المسلمين ونسبة من
المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك، موقع eSuweda أضاء على الحياة الاجتماعية السائدة
في هذه القرية من خلال تقليد يجمع مختلف الطوائف ويصر الجميع على أنه ليس حديثا وان
هناك جذورا قديمة لهذه العلاقة ومازالت تتطور وتزدهر.
أسرة "الرمحين" استقبلت آل "الأطرش" أول أسر الموحدين المسلمين
التي سكنت "القريا" معلومة حدثنا عنها الخوري "عبد الله الشحيد" راعي كنيسة الروم
الكاثوليك في البلدة بقوله: «واقع التعايش الذي يلمسه كل زائر لهذه البلدة ليس وليد
العصر الحاضر بل له جذور تمتد لقرون مضت، لأن الطوائف المتعددة في هذه البلدة
تجاوزت مراحل زمنية هامة كانوا فيها إخوة يشغلهم الهم الوطني دافعوا عن حياة مشتركة
هادئة وآمنة، وحسب معرفتي فإن المسيحيين سكنوا "القريا" في مرحلة سابقة تاريخياً
وعندما قدم "إسماعيل الأطرش" الجد "الأكبر" عام 1680 لهذه البلدة استقبلته أبناء
رعيتي وهم أسرة "الرمحين" وسادت بينهم علاقات الأخوة والمحبة، ويسجل التاريخ حوادث
ومواقف كان فيها أبناء الطائفتين معاً للدفاع عن الأرض والعرض، وإذا عدنا لتسمية
أسرة آل "الرمحين" الأسرة التي لم تكن تكنى بهذا الاسم فإننا نذكر أن "إسماعيل
الأطرش" أول من أطلق الاسم عليهم وذلك في إحدى الغزوات، عندما عاد "سلامة الرمحين"
كبير الأسرة ورد الاعتداء عن نساء آل "الأطرش" وقاتل لحمايتهن فرآها المرحوم
"إسماعيل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
الأب عبدالله الشحيد راعي كنيسة الروم الكاثوليك في القريا |
آخر ليقاتل به سماه "أبو رمحين" ليدرج الاسم، الذي تعتز به هذه الأسرة وهو دليل على
عمق العلاقة وصدقها».
احترام التقاليد
والمشاركة في مختلف المناسبات طقس تعود عليه الأهالي حيث يضيف الأب "عبد الله"
بقوله: «بحكم القرب والعلاقات الطيبة تجد الأهالي مجتمعين مهما كانت الحادثة من فرح
أو حزن وحتى في السكن لا تنقسم الأحياء لتجد الكنائس بين منازل إخواننا من الطوائف
الأخرى، وفي مواقع عدة تتقارب منازلنا وكأننا أبناء عمومة، ومن المظاهر التي نعتز
بها في هذه البلدة وتسعى الطوائف لتكريسها لأنها نموذج اجتماعي بناه الأجداد بفضل
ما اتسعت قلوبهم للمحبة، تلك التي ترتبط بمواقف العزاء الكل هنا أهل نحضر المواقف
ونحترم تقليد كل طائفة، وحسب ما هو معروف في هذه المنطقة أنه في هذه المحافل يقدم
أهل المتوفى حسنة عن روحه توزع بمعرفة الهيئة الدينية لتجد إخواننا يخصصون الكنائس
وتجدنا نخصص المبالغ للوقف، وهي ميزة حرص أهالي "القريا" على الاهتمام بها لتبقى
صورة عن التعايش والمحبة، وبالنسبة لي فإن الحضور في هذه المحافل واجب لا نتأخر عنه
ومن يشاركنا من خارج البلدة لا يستغرب وقوفي إلى جانب الأسر المفجوعة من كل
الطوائف، وهم كذلك يستقبلون العزاء معنا فلا يختلف عزاء المتوفى من أي طائفة عن
المسيحي إلا بالطقوس الدينية، وبالنسبة لنا فإن ما يقارب 300 ألف ليرة سورية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
مختار القريا السيد غالب الدبس |
كانت من حسنات أقاربنا المسلمين الموحدين ومن مختلف الأسر».
صورة الخوارنة إلى جانب المشايخ صورة قد لا
ترى أجمل منها من وجهة نظر العم "أبو زياد غالب الدبس" مختار البلدة حيث قال:
«لمواقف العزاء في "جبل العرب" طقوس وعادات لا نخرج عنها حيث يدخل المعزون لتقديم
التعازي أو ما نسميه (الأخذ بالخاطر) وكل الطوائف تلتزم بهذا التقليد لتجد المواقف
منتظمة تعكس تقارب أهالي البلدة وحميمية العلاقة، وتجد الجيران يقومون بواجبهم
كاملاً فالجيران مهما كانت طوائفهم "يعددون الفقيد" أي يعددون خصاله الحميدة
ومواقفه الاجتماعية الجيدة وهذا واجب يؤديه كل الأهالي في هذه البلدة، التي يتجاوز
عدد سكانها 17 ألف نسمة، الأغلبية من المسلمين الموحدين ونسبة من إخواننا
المسيحيين، يتوزعون على 119 عائلة متآلفة، ومن المظاهر المعتادة وجود رجال الدين من
كل الطوائف في محفل واحد يتقبلون التعازي وكأنهم أسرة واحدة، وبالنسبة لنا فكما
تخصص مبالغ من الحسنات للقرى التي تشارك في العزاء فإننا بداية نخصص لكنائس البلدة
تكريماً لهم على تعاملهم المخلص وهم لا يتأخرون عن المشاركة وكل ما نفذ من مشاريع
للوقف في "القريا" كانت فيه نسبة من عطاءات إخواننا في الطوائف الأخرى، هي مواقف
نتوارثها وتربى الأبناء عليها».
من أطرف
ما يذكر عن تعايش أهالي "القريا" أن عمدة ميلانو المدينة الايطالية عندما زار
الكنسية الكاثوليكية في عام 1999 ذهل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
أحد أبنية الوقف التي تستثمر لأعمال الخير في البلدة |
"عبد الله الشحيد" سؤالاً شاع بين الأهالي ليقول: هل نستطيع تسميتكم كاثوليك دروز؟
وشاعت التسمية المحببة من قبل الطائفتين وعززت وشائج القربى.