[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ضياء الصحناوي
سقطت بجانبه قذيفة مدفع فرنسي وانفجرت محطمة عظام ساقه، وحولتها إلى قطع متناثرة يربطها الجلد الأسمر المخضب بالدماء لكنه لم يفقد الرشد، نظر أمامه جيداً.. واتكأ على بندقيته وعاد بها إلى الخلف مترنحة ذات اليمين وذات الشمال غير آبه للألم، فنادى على شقيقه وطلب منه خنجراً وقام ببترها، ولفها بعصابته جيداً حتى يوقف النزيف، وحملها بيده اليسرى وتأبط بندقيته وقام.
إنه المجاهد "أجود مرشد رضوان" ابن مدينة "السويداء" الذي أطلق الرصاصة الأولى على الملازم الفرنسي "مورييل" أثناء التظاهرة الصاخبة التي قام بها شباب "السويداء" بتاريخ الثاني من تموز عام 1925 احتجاجاً على الجرائم التي ارتكبها الحاكم الفرنسي الشهير "كاربييه".
وكانت قيادة الثورة السورية قد قررت الزحف على "غوطة دمشق" بعدة فصائل يقودها عدد من زعماء الثورة، حيث قدر عددها آنذاك بحوالي 300 مقاتل كان منهم "أجود مرشد رضوان" وإخوته الثلاثة "فندي" و"هزاع" و"حسين"، وبعد أن وصل الثوار إلى مشارف "الغوطة" أخذوا ينفذون هجمات متواصلة ليصلوا إلى أسوار دمشق وبين كر وفر استمرت المعارك عدة أيام سقط فيها عدد من الشهداء، وفي جوار قرية "يلدا" كان المجاهد "أجود رضوان" يصول ويجول ويبدي الكثير من ضروب الشجاعة، ويهزج ويغني وهو المشهور بين رفاقه بدقة التصويب، حتى سقطت تلك القذيفة بجانبه الأيمن.
طلب من أخيه "فندي" أن يواصل القتال ويتركه وحده غير أن الشقيق أبى ذلك وسار بجانبه ودخلا إلى أحد البيوت القريبة حيث تم إسعافه.
يقول الأستاذ "حسين خويص" الباحث والصحفي لموقع eSuweda: «لقد جاء في مذكرات الأديب الراحل "نعمان حرب" عن سيرة الأبطال المنسيين أن "أجود" بقي رابط الجأش يخاطب أخاه بصوت عالٍ وبعبارات حماسية، وقد قدم له أحد الثوار جواده حيث امتطاه وعاد به إلى "السويداء" مع أخيه "فندي"، وفي طريق العودة عندما كان يلتقي الرجال السائرين على الطرقات يمسك بساقه المبتورة وينتخي بها أمامهم فتثير الحماس في النفوس ويبعث فيهم روح التضحية، وبعد أن وصل إلى بيته بـ"السويداء" بعد مسيرة يوم كامل على جواده لم يفقد بها وعيه ولم تخفت لهجته، أخذ يعالج الجروح بالأدوية المتوافرة، ومرت الأيام وبقي الجرح على حاله وبدأ التعفن في اللحم يزداد، وكانت الأدوية مفقودة والطبابة غير موجودة، واللجوء إلى مشافي دمشق غير ممكن، فسافر إلى "عمان" التي كانت ملجأ الثوار آنذاك وبقي شهراً كاملاً في مشافيها يعالج الجروح وسافر بعدها إلى "الأزرق" وأقام فيها سنتين ونصف السنة، وعندما لجأ الثوار إلى الأردن بعد توقف العمليات الحربية في الجبل عام 1927 التحق أجود بهم وبقي معهم حتى عاد بصحبتهم إلى الوطن عام 1937، حيث لم يجد في بيته ما يقيه العوز مع زوجته وطفله فقرر أن يعمل بتصليح الأحذية بكل تواضع الكبار حتى لا يحتاج أحداً، واستمر في عمله هذا حتى انتقل إلى جوار ربه في 23 آذار عام 1983 بعد أن حافظ على كرامته في الحرب وفي عهد الاستقلال».