«الموساد ـــــ عمليات كبرى»، كتاب صادر حديثاً في الدولة العبرية، يكشف تفاصيل جديدة، عن قصف منطقة دير الزور في سوريا بعد الادعاء أنَّ دمشق تبني مفاعلاً نووياً في المنطقة. إيهود أولمرت أبلغ الأميركيين ونال التعاون والموافقة على «تدمير المفاعل». بعد التفاصيل، يكشف الكتاب عن عملية اغتيال العقيد محمد سليمان بأيدي عنصرين وصلا إلى بيته عبر البحر
فراس خطيب
على الرغم من التقارير الإعلامية الأجنبية التي أدانتها، لم تعلن الدولة العبرية رسمياً مسؤوليتها عن قصف موقع «دير الزور» في سوريا في أيلول من عام 2007. لكنَّ كتاباً إسرائيلياً جديداً، ألفه الإسرائيليان ميخائيل بار ـــــ زوهار والصحافي نيسيم مشعال، كشف تفاصيل حديثة العهد، طالما نفتها إسرائيل، عن تلك العملية التي اكتنفها الغموض. وألقى الكتاب الضوء مجدداً على حيثيات «العملية المعقّدة»، حين أقدم عناصر من وحدة «شلداغ» النخبوية الإسرائيلية بالوصول إلى «الهدف المعقد»، وأشاروا إليه بواسطة أشعة «الليزر» لتُلقي من بعدها الطائرات الحربية الإسرائيلية من طراز «إف 15» العبوات الناسفة. تفاصيل بدأت من هنا، وانتهت بالكشف عن عملية اغتيال العقيد السوري محمد سليمان في بيته في طرطوس، من دون الإشارة إلى هوية منفذي العملية.
وبحسب الرواية التي يتضمنها أحد الفصول، الذي نشرته «يديعوت أحرونوت» أمس، بدأت العملية في العاصمة البريطانية لندن نهاية تموز عام 2007. أحد النزلاء في أحد الفنادق الفخمة في المدينة خرج من غرفته عند المساء، نزل بواسطة المصعد الكهربائي وغادر الفندق إلى سيارة كانت بانتظاره خارجاً. وأشار الكتاب إلى أنَّ الحديث كان عن موظف سوري رفيع المستوى، وصل إلى لندن من دمشق، وسارع إلى لقاءٍ في مركز المدينة. وقال الكتاب إنه في اللحظة التي خرج فيها الرجل من غرفته، قام رجلان عن كرسيَّيهما الواقعين في إحدى الزوايا الجانبية في لوبي الفندق، ودخلا إلى المصعد الكهربائي. وصل الاثنان إلى غرفة الضيف وفتحا باب الغرفة بمفاتيح مزيّفة. رصدا الغرفة ووجدا على طاولة المكتب حاسوباً نقّالاً. ركَّب الاثنان على الحاسوب برنامج تجسس يدعى «حصان طروادة». هذا البرنامج يمثّل «باباً خلفياً للحاسوب». من خلال ذلك الباب، كان من الممكن تعقب الحاسوب عن بعد ونسخ كل المواد المحفوظة فيه. خلال دقائق، ترك الاثنان الغرفة.
من خلال الحاسوب، وصلت إلى الموساد الإسرائيلي مواد استخبارية كُشف من خلالها، «للمرة الأولى»، عمَّا يدّعى أنَّه «البرنامج النووي السوري». تضمنت المعلومات برنامج بناء المنشأة النووية في منطقة دير الزور، إضافة إلى مراسلات مع مسؤولين في النظام في كوريا الشمالية وتضمن أيضاً «صوراً ظهر فيها المفاعل مغطى بالباطون». وجاء أيضاً في الكتاب ما يأتي: «ظهر رجلان من خلال الصور: كان واحد منهما آسيوياً، تبين أنه من مسؤولي البرنامج النووي في شمال كوريا، والثاني كان عربياً، تبين في ما بعد أنه إبراهيم عثمان، رئيس اللجنة للطاقة النووية في سوريا».
المعطيات المذكورة أُضيفت إلى معطيات أخرى جُمعت بين عام 2006 وعام 2007 بواسطة جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، التي تفيد ـــــ بحسب الإسرائيليين ـــــ بأنَّ السوريين باشروا العمل على بناء المفاعل النووي في إحدى صحاري «دير الزور» شمال شرق سوريا في منطقة قريبة من الحدود السورية التركية وتبعد مسافة 160 كيلومتراً عن الحدود السورية ـــــ العراقية. ورأى الكتاب أن إحدى المعلومات «المفاجئة» كانت أن «المفاعل بُنيَ بتمويل إيراني وبمساعدة خبراء من كوريا الشمالية».
عرض الكتاب ـــــ من نظرة إسرائيلية ـــــ العلاقة التي دارت بين سوريا وكوريا الشمالية والتي بدأت منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وقبل اندلاع حرب الخليج الأولى، حين وقّع الطرفان اتفاقاً للتعاون التكنولوجي والعسكري، وأنه في عام 1991 وصلت أول دفعة صواريخ من كوريا الشمالية إلى سوريا. ويكشف الكتاب أن وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، موشيه أرنس، «رفض» قيام إسرائيل بعملية عسكرية لمنع وصول الصواريخ إلى أيدي السوريين. ويدّعي الكتاب أنَّ الرئيس السوري بشار الأسد، التقى الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ إيل أثناء جنازة والده، وبدأ الحديث عن بناء المفاعل النووي.
وفي عام 2002 عقدت الجلسة الأولى بين مندوبين إيرانيين وسوريين وكوريين، تقرّر فيها أن يموّل الإيرانيون المشروع بمبلغ ملياري دولار، على ما يزعم الكتاب، الذي يقر بأنه، على مدار خمس سنوات، لم يعرف الإسرائيليون ولا الأميركيون أنَّ السوريين يبنون سراً مفاعلاً نووياً. على الرغم من وجود «إشارات كثيرة».
وجاء في الكتاب أنه فجأة، حلَّ تغييرٌ دراماتيكي «أذهل» إسرائيل والولايات المتحدة: في السابع من شباط عام 2007، وصل الجنرال الإيراني علي رضا أصغري من طهران إلى دمشق، حيث كان من قادة حرس الثورة الإيراني ونائباً لوزير الدفاع. تأخّر أصغري في العاصمة السورية إلى حين تأكد من أن عائلته في طريقها إلى خارج إيران، حيث استمر من بعدها بسفره إلى تركيا. وقال الكتاب إنه في إسطنبول اختفت آثاره.
بعد شهر تبين أنَّ أصغري فرّ إلى الغرب من خلال عملية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وإسرائيل. وحُقّق معه في معسكر أميركي في أوروبا (يرجّح الكتاب أنه في ألمانيا). ويدّعي الكتاب أن أصغري «كشف لمضيفيه واحداً من الأسرار الخفية لطهران ودمشق»، إضافة إلى كشفه عن «العلاقة الثلاثية بين سوريا وكوريا الشمالية وإيران». وبحسب الكتاب، فإنَّ أصغري كشف أيضاً عن أن إيران «تدفع وتموّل إقامة مفاعل نووي»، وأنه سلّم تفاصيل إضافية عن وضعية المفاعل والمسؤولين الإيرانيين الذين يساعدون ويقدمون استشارات.
المعلومات التي أدلى بها أصغري أدخلت الدولة العبرية إلى حالة من «الجهوزية العملانية». وقد خصص جهاز «الموساد» الإسرائيلي طاقات «للتحقق من المعلومات التي نقلها أصغري». عندها، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إيهود أولمرت برؤساء الأذرع الأمنية الإسرائيلية ضمن جلسة خاصة، وكان الاتفاق بينهم على أنه يجب العمل للعثور على إثباتات واضحة ذات أساس على المفاعل.
وجاء في الكتاب أنه «كان واضحاً للجميع أن إسرائيل لا يمكنها التسليم بتحوّل سوريا، العدو المر والهجومي، إلى قوة نووية».
خلال شهور قليلة، استطاع رؤساء الأجهزة الأمنية أن يضعوا على طاولة رئيس الوزراء «مادة مُدينة (لسوريا) فتّش عنها (أولمرت)». وادّعى الكتاب أن الإسرائيليين حققوا «نجاحاً آخر» حين استطاعوا تجنيد أحد العاملين في المفاعل «بطريق ملتوية»، حيث زودهم «صوراً كثيرة، وشرائط مصورة من داخل المبنى الذي بدا متكاملاً».
إسرائيل عملت على تزويد الأميركيين وإبلاغهم بكل ما بحوزتها من مواد استطاعت جمعها عن المفاعل النووي. وتضمنت المواد صوراً التقطت من أقمار اصطناعية، وتنصتات على مكالمات جرت بين كوريا الشمالية ودمشق. وجاء في الكتاب: «بعد ضغط إسرائيلي، فعّلت الولايات المتحدة أقمار التجسس التابعة لها، وبسرعة، تراكمت مواد لحظية تضمنت صوراً التقطت بالأقمار الاصطناعية الأميركية المتطورة ومواد عُثر عليها بوسائل إلكترونية بيّنت أنَّ السوريين يواصلون بناء المفاعل بوتيرة سريعة».
في حزيران عام 2007، سافر رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت إلى الولايات المتحدة حاملاً كل المواد التي جمعتها إسرائيل. في نهاية لقاء مطوّل مع الرئيس الأميركي جورج بوش، أعلمه أولمرت بأنّه «قرَّر ضرب المفاعل السوري». تردّد الأميركيون في البداية. وبحسب مصادر أميركية مطّلعة، فإنَّ البيت الأبيض قرّر كالتالي: «الولايات المتحدة تفضّل عدم الهجوم». وقال الكتاب إن وزيرة الخارجية الأميركية في حينه كوندوليزا رايس، ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس اقترحا على الإسرائيليين «مواجهة سوريا، لكن عدم الإقدام على مهاجمتها». في المقابل، أيّد بوش ورئيس مجلس الأمن القومي الأميركي ستيف هدلي مبدئياً العملية العسكرية، لكنهما طلبا «تأجيلها إلى حين فحص إضافي».
ويكشف الكتاب أنه خلال عام 2007، أجرت إسرائيل جولات جويّة على المنطقة بواسطة القمر الاصطناعي «أوفك ـــــ 7» و«تلقت صوراً عن العمل في المفاعل». شُخّصت الصور بواسطة خبراء أميركيين وإسرائيليين، حيث قرروا أن «سوريا تبني مفاعل نووياً على طراز المفاعل النووي في كوريا الشمالية يونغ بيون». وتوصل الخبراء إلى أن المفاعلين متطابقان.
في المقابل، زوّدت وحدة التجسس الإسرائيلية 8200 مضمون مكالمات بين علماء سوريين وعلماء كورييّن. نقل الإسرائيليون المواد المصورة إلى الأميركيين، إلا أنَّ الأميركيين أرادوا «أدلة قاطعة» تشير إلى أن المبنى المذكور يستعمل فعلاً كمفاعل نووي، وأن مواد نووية موجودة في المكان. وقال الكتاب إنَّ إسرائيل «قرّرت أن تزود أيضاً هذه المعلومات».
وجاء في الكتاب ما يلي: «في آب عام 2007، وجد «المسدس المدخن». الإثبات الدراماتيكي الذي لم يترك مجالاً للشك في أن السوريين يبنون مفاعلاً نووياً في دير الزور. الإثبات أحضره أفراد سرية هيئة الأركان (الوحدة النخبوية سييرت متكال)، الذين خرجوا في إحدى ليالي آب، في مروحيتين (عسكريتين) إلى منطقة دير الزور. وبواسطة أجهزة ثقيلة، أخذوا عدداً من عيّنات الأرض (التراب) التي كانت فيها مواد مشعة. كان ذلك الإثبات أن في المكان مواد نووية، أُعدّت فقط لهدف واحد. المواد نقلت إلى رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي ستيف هادلي الذي ردَّ بذهول، ودعا خيرة الاختصاصيين من أجل استخلاص العبر وإبلاغ الرئيس الأميركي في الجلسة الصباحية. بعد فحص الاختصاصيين، اقتنع هادلي بأن الموضوع جدي. وهو أيضاً تحدث مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد، وفي أعقاب ذلك، استنتج أنَّ المفاعل يمثّل تهديداً ملموساً. واقتنعت الولايات المتحدة بأنه يجب تدمير المفاعل. الأميركيون منحوا ملفهم عن دير الزور اسم «البستان».
وبحسب الصحيفة البريطانية، «صنداي تايمز»، اجتمع رئيس الوزراء أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى جانب رؤساء الأجهزة الأمنية وقرروا بعد «جلسة طويلة» تدمير «المفاعل السوري». وأبلغ أولمرت رئيس المعارضة في حينه بنيامين نتنياهو بتفاصيل الخطة الهجومية. وأضافت الصحيفة، في حينه، أنه في الرابع من أيلول، دخل إلى دير الزور مقاتلو وحدة «شلداغ» (الإسرائيليلية) للإشارة إلى الأهداف بواسطة أشعة ليزر.
حدّد موعد الهجوم في الخامس من أيلول 2007. عند الساعة 23:00، خرجت عشر طائرات من القاعدة العسكرية الإسرائيلية «راموت دافيد» باتجاه البحر المتوسط. بعد 30 دقيقة من الإقلاع، تلقت ثلاث طائرات من العشر أمراً بالعودة إلى القاعدة. الطائرات السبع الباقية واصلت وتلقت أوامر بالاتجاه نحو الحدود السورية التركية. ومن هناك دخلت إلى اتجاه المفاعل النووي. وقال الكتاب إنهم، في الطريق إلى هناك، «دمرت (الطائرات) جهاز رادار لتشويش القدرة السورية على التقاط اختراق الطائرات (الإسرائيلية)».
بعد دقائق قليلة، وصلت الطائرات إلى دير الزور حيث أطلقت على المفاعل، بحسب الكتاب نفسه، صواريخ من طراز «ماوريك» جو ـــــ أرض، وقنابل تزن الواحدة منها نصف طن «أصابت الهدف بدقة، ودُمِّر المفاعل خلال دقائق».
❞في آب 2007، خرج أفراد من وحدة سييرت متكال إلى دير الزور وأخذوا عيّنات من التربة
بعد الغارة اتصل أولمرت بأردوغان ليبلغ السوريين بأن «وجهة إسرائيل ليست للحرب»
❝وقال الكتاب إن «الإسرائيليين خافوا من ردّ سوري، فاتصل أولمرت برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وقال له أن يبلغ السوريين: إن وجهة إسرائيل ليست للحرب».
الرواية، التي يسردها الكتاب الجديد قالت إن «صدى الطلقات الأخيرة لقصف المفاعل السوري تردّد بعد 11 شهراً (على الغارة الجوية) وفي 2 آب من عام 2008»، عندما اغتيل العقيد محمد سليمان خلال إجازة استجمام في مدينة طرطوس السورية الساحلية. وعرض الكتاب العلاقات المتينة بين سليمان وعائلة الأسد، مدعياً أن «سليمان كان المساعد الأول للرئيس الأسد، وهو من كان مسؤولاً عن إقامة المفاعل وحراسته». وجاء في الكتاب أنه «في داخل النظام سمّوه الرجل الظل للأسد». وزعم الكتاب أن «سليمان كان حلقة الوصل بين القيادة السورية وكل من إيران وحزب الله».
وعن عملية الاغتيال، جاء في الكتاب الإسرائيلي أنه «كان في ضيافة سليمان في منزله الصيفي في شاطئ طرطوس، عدد من الأشخاص الذين كانوا يسهرون معه ويجلسون حول المائدة في شرفة المنزل في تلك الليلة». ولم يشر الكتاب إلى هوية غطاسيْن ـــــ قناصين.
وقال الكتاب، مشدداً على عدم الكشف عن هوية القناصين، إن الاثنين «وصلا من مكان بعيد، من طريق البحر، على متن سفينة أنزلتهما على بعد كيلومترين من بيت سليمان. من هناك، واصلا السير غطساً إلى حين اقتربا من البيت. كان الاثنان قناصين محترفين، صاحبي خبرة وهدوء أعصاب نادر». وأضاف: «شاهدا سليمان يجلس على كرسي وسط الطاولة ومن حوله الأصدقاء». وبعد التأكد من وجود سليمان جالساً عند المائدة، خرجا إلى الشاطئ وأطلقا النار على رأسه من مسافة 150 متراً وكانت الضربة قاتلة».
--------------------------------------------------------------------------------
اعتراف نتنياهو
بعد عملية دير الزور، حاولت إسرائيل، التكتم على العملية المذكورة. رفضت الكشف عن أي تفاصيل تذكر أو الاعتراف بأنَّها هي من قامت بعملية القصف. لكن في تلك الفترة، وصل رئيس المعارضة في حينه بنيامين نتنياهو، إلى استوديوات الأخبار في القناة الإسرائيلية الأولى. سأله مقدّم الأخبار الإسرائيلي حاييم يفين سؤالاً عن العملية، فردّ نتنياهو بقوله: «عندما تفعل الحكومة من أجل أمن إسرائيل فإني أساندها. وهنا أيضاً كنت شريكاً بالأمر منذ اللحظة الأولى ومنحت لهذا مساندةً»، قاصداً عملية دير الزور.
أثارت تصريحات نتنياهو، التي جاءت أثناء التكتّم الإسرائيلي، غضب المقربين من أولمرت الذين ردّوا بغضب أكبر على التصريحات بقولهم: «نحن في صدمة مطلقة من هذا الرجل (بنيامين نتنياهو). إنه عديم المسؤولية. إنه بيبي القديم».
من بعدها، في عام 2008، بعد سبعة أشهر على العملية، أعلنت الإدارة الأميركية أن المنشأة، التي قُصفت في سوريا، هي «مفاعل نووي» بُني بالتعاون مع كوريا الشمالية ولم يُعَدّ «لأهداف سلمية».
_______________
فراس خطيب
على الرغم من التقارير الإعلامية الأجنبية التي أدانتها، لم تعلن الدولة العبرية رسمياً مسؤوليتها عن قصف موقع «دير الزور» في سوريا في أيلول من عام 2007. لكنَّ كتاباً إسرائيلياً جديداً، ألفه الإسرائيليان ميخائيل بار ـــــ زوهار والصحافي نيسيم مشعال، كشف تفاصيل حديثة العهد، طالما نفتها إسرائيل، عن تلك العملية التي اكتنفها الغموض. وألقى الكتاب الضوء مجدداً على حيثيات «العملية المعقّدة»، حين أقدم عناصر من وحدة «شلداغ» النخبوية الإسرائيلية بالوصول إلى «الهدف المعقد»، وأشاروا إليه بواسطة أشعة «الليزر» لتُلقي من بعدها الطائرات الحربية الإسرائيلية من طراز «إف 15» العبوات الناسفة. تفاصيل بدأت من هنا، وانتهت بالكشف عن عملية اغتيال العقيد السوري محمد سليمان في بيته في طرطوس، من دون الإشارة إلى هوية منفذي العملية.
وبحسب الرواية التي يتضمنها أحد الفصول، الذي نشرته «يديعوت أحرونوت» أمس، بدأت العملية في العاصمة البريطانية لندن نهاية تموز عام 2007. أحد النزلاء في أحد الفنادق الفخمة في المدينة خرج من غرفته عند المساء، نزل بواسطة المصعد الكهربائي وغادر الفندق إلى سيارة كانت بانتظاره خارجاً. وأشار الكتاب إلى أنَّ الحديث كان عن موظف سوري رفيع المستوى، وصل إلى لندن من دمشق، وسارع إلى لقاءٍ في مركز المدينة. وقال الكتاب إنه في اللحظة التي خرج فيها الرجل من غرفته، قام رجلان عن كرسيَّيهما الواقعين في إحدى الزوايا الجانبية في لوبي الفندق، ودخلا إلى المصعد الكهربائي. وصل الاثنان إلى غرفة الضيف وفتحا باب الغرفة بمفاتيح مزيّفة. رصدا الغرفة ووجدا على طاولة المكتب حاسوباً نقّالاً. ركَّب الاثنان على الحاسوب برنامج تجسس يدعى «حصان طروادة». هذا البرنامج يمثّل «باباً خلفياً للحاسوب». من خلال ذلك الباب، كان من الممكن تعقب الحاسوب عن بعد ونسخ كل المواد المحفوظة فيه. خلال دقائق، ترك الاثنان الغرفة.
من خلال الحاسوب، وصلت إلى الموساد الإسرائيلي مواد استخبارية كُشف من خلالها، «للمرة الأولى»، عمَّا يدّعى أنَّه «البرنامج النووي السوري». تضمنت المعلومات برنامج بناء المنشأة النووية في منطقة دير الزور، إضافة إلى مراسلات مع مسؤولين في النظام في كوريا الشمالية وتضمن أيضاً «صوراً ظهر فيها المفاعل مغطى بالباطون». وجاء أيضاً في الكتاب ما يأتي: «ظهر رجلان من خلال الصور: كان واحد منهما آسيوياً، تبين أنه من مسؤولي البرنامج النووي في شمال كوريا، والثاني كان عربياً، تبين في ما بعد أنه إبراهيم عثمان، رئيس اللجنة للطاقة النووية في سوريا».
المعطيات المذكورة أُضيفت إلى معطيات أخرى جُمعت بين عام 2006 وعام 2007 بواسطة جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، التي تفيد ـــــ بحسب الإسرائيليين ـــــ بأنَّ السوريين باشروا العمل على بناء المفاعل النووي في إحدى صحاري «دير الزور» شمال شرق سوريا في منطقة قريبة من الحدود السورية التركية وتبعد مسافة 160 كيلومتراً عن الحدود السورية ـــــ العراقية. ورأى الكتاب أن إحدى المعلومات «المفاجئة» كانت أن «المفاعل بُنيَ بتمويل إيراني وبمساعدة خبراء من كوريا الشمالية».
عرض الكتاب ـــــ من نظرة إسرائيلية ـــــ العلاقة التي دارت بين سوريا وكوريا الشمالية والتي بدأت منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وقبل اندلاع حرب الخليج الأولى، حين وقّع الطرفان اتفاقاً للتعاون التكنولوجي والعسكري، وأنه في عام 1991 وصلت أول دفعة صواريخ من كوريا الشمالية إلى سوريا. ويكشف الكتاب أن وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، موشيه أرنس، «رفض» قيام إسرائيل بعملية عسكرية لمنع وصول الصواريخ إلى أيدي السوريين. ويدّعي الكتاب أنَّ الرئيس السوري بشار الأسد، التقى الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ إيل أثناء جنازة والده، وبدأ الحديث عن بناء المفاعل النووي.
وفي عام 2002 عقدت الجلسة الأولى بين مندوبين إيرانيين وسوريين وكوريين، تقرّر فيها أن يموّل الإيرانيون المشروع بمبلغ ملياري دولار، على ما يزعم الكتاب، الذي يقر بأنه، على مدار خمس سنوات، لم يعرف الإسرائيليون ولا الأميركيون أنَّ السوريين يبنون سراً مفاعلاً نووياً. على الرغم من وجود «إشارات كثيرة».
وجاء في الكتاب أنه فجأة، حلَّ تغييرٌ دراماتيكي «أذهل» إسرائيل والولايات المتحدة: في السابع من شباط عام 2007، وصل الجنرال الإيراني علي رضا أصغري من طهران إلى دمشق، حيث كان من قادة حرس الثورة الإيراني ونائباً لوزير الدفاع. تأخّر أصغري في العاصمة السورية إلى حين تأكد من أن عائلته في طريقها إلى خارج إيران، حيث استمر من بعدها بسفره إلى تركيا. وقال الكتاب إنه في إسطنبول اختفت آثاره.
بعد شهر تبين أنَّ أصغري فرّ إلى الغرب من خلال عملية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وإسرائيل. وحُقّق معه في معسكر أميركي في أوروبا (يرجّح الكتاب أنه في ألمانيا). ويدّعي الكتاب أن أصغري «كشف لمضيفيه واحداً من الأسرار الخفية لطهران ودمشق»، إضافة إلى كشفه عن «العلاقة الثلاثية بين سوريا وكوريا الشمالية وإيران». وبحسب الكتاب، فإنَّ أصغري كشف أيضاً عن أن إيران «تدفع وتموّل إقامة مفاعل نووي»، وأنه سلّم تفاصيل إضافية عن وضعية المفاعل والمسؤولين الإيرانيين الذين يساعدون ويقدمون استشارات.
المعلومات التي أدلى بها أصغري أدخلت الدولة العبرية إلى حالة من «الجهوزية العملانية». وقد خصص جهاز «الموساد» الإسرائيلي طاقات «للتحقق من المعلومات التي نقلها أصغري». عندها، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إيهود أولمرت برؤساء الأذرع الأمنية الإسرائيلية ضمن جلسة خاصة، وكان الاتفاق بينهم على أنه يجب العمل للعثور على إثباتات واضحة ذات أساس على المفاعل.
وجاء في الكتاب أنه «كان واضحاً للجميع أن إسرائيل لا يمكنها التسليم بتحوّل سوريا، العدو المر والهجومي، إلى قوة نووية».
خلال شهور قليلة، استطاع رؤساء الأجهزة الأمنية أن يضعوا على طاولة رئيس الوزراء «مادة مُدينة (لسوريا) فتّش عنها (أولمرت)». وادّعى الكتاب أن الإسرائيليين حققوا «نجاحاً آخر» حين استطاعوا تجنيد أحد العاملين في المفاعل «بطريق ملتوية»، حيث زودهم «صوراً كثيرة، وشرائط مصورة من داخل المبنى الذي بدا متكاملاً».
إسرائيل عملت على تزويد الأميركيين وإبلاغهم بكل ما بحوزتها من مواد استطاعت جمعها عن المفاعل النووي. وتضمنت المواد صوراً التقطت من أقمار اصطناعية، وتنصتات على مكالمات جرت بين كوريا الشمالية ودمشق. وجاء في الكتاب: «بعد ضغط إسرائيلي، فعّلت الولايات المتحدة أقمار التجسس التابعة لها، وبسرعة، تراكمت مواد لحظية تضمنت صوراً التقطت بالأقمار الاصطناعية الأميركية المتطورة ومواد عُثر عليها بوسائل إلكترونية بيّنت أنَّ السوريين يواصلون بناء المفاعل بوتيرة سريعة».
في حزيران عام 2007، سافر رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت إلى الولايات المتحدة حاملاً كل المواد التي جمعتها إسرائيل. في نهاية لقاء مطوّل مع الرئيس الأميركي جورج بوش، أعلمه أولمرت بأنّه «قرَّر ضرب المفاعل السوري». تردّد الأميركيون في البداية. وبحسب مصادر أميركية مطّلعة، فإنَّ البيت الأبيض قرّر كالتالي: «الولايات المتحدة تفضّل عدم الهجوم». وقال الكتاب إن وزيرة الخارجية الأميركية في حينه كوندوليزا رايس، ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس اقترحا على الإسرائيليين «مواجهة سوريا، لكن عدم الإقدام على مهاجمتها». في المقابل، أيّد بوش ورئيس مجلس الأمن القومي الأميركي ستيف هدلي مبدئياً العملية العسكرية، لكنهما طلبا «تأجيلها إلى حين فحص إضافي».
ويكشف الكتاب أنه خلال عام 2007، أجرت إسرائيل جولات جويّة على المنطقة بواسطة القمر الاصطناعي «أوفك ـــــ 7» و«تلقت صوراً عن العمل في المفاعل». شُخّصت الصور بواسطة خبراء أميركيين وإسرائيليين، حيث قرروا أن «سوريا تبني مفاعل نووياً على طراز المفاعل النووي في كوريا الشمالية يونغ بيون». وتوصل الخبراء إلى أن المفاعلين متطابقان.
في المقابل، زوّدت وحدة التجسس الإسرائيلية 8200 مضمون مكالمات بين علماء سوريين وعلماء كورييّن. نقل الإسرائيليون المواد المصورة إلى الأميركيين، إلا أنَّ الأميركيين أرادوا «أدلة قاطعة» تشير إلى أن المبنى المذكور يستعمل فعلاً كمفاعل نووي، وأن مواد نووية موجودة في المكان. وقال الكتاب إنَّ إسرائيل «قرّرت أن تزود أيضاً هذه المعلومات».
وجاء في الكتاب ما يلي: «في آب عام 2007، وجد «المسدس المدخن». الإثبات الدراماتيكي الذي لم يترك مجالاً للشك في أن السوريين يبنون مفاعلاً نووياً في دير الزور. الإثبات أحضره أفراد سرية هيئة الأركان (الوحدة النخبوية سييرت متكال)، الذين خرجوا في إحدى ليالي آب، في مروحيتين (عسكريتين) إلى منطقة دير الزور. وبواسطة أجهزة ثقيلة، أخذوا عدداً من عيّنات الأرض (التراب) التي كانت فيها مواد مشعة. كان ذلك الإثبات أن في المكان مواد نووية، أُعدّت فقط لهدف واحد. المواد نقلت إلى رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي ستيف هادلي الذي ردَّ بذهول، ودعا خيرة الاختصاصيين من أجل استخلاص العبر وإبلاغ الرئيس الأميركي في الجلسة الصباحية. بعد فحص الاختصاصيين، اقتنع هادلي بأن الموضوع جدي. وهو أيضاً تحدث مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد، وفي أعقاب ذلك، استنتج أنَّ المفاعل يمثّل تهديداً ملموساً. واقتنعت الولايات المتحدة بأنه يجب تدمير المفاعل. الأميركيون منحوا ملفهم عن دير الزور اسم «البستان».
وبحسب الصحيفة البريطانية، «صنداي تايمز»، اجتمع رئيس الوزراء أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى جانب رؤساء الأجهزة الأمنية وقرروا بعد «جلسة طويلة» تدمير «المفاعل السوري». وأبلغ أولمرت رئيس المعارضة في حينه بنيامين نتنياهو بتفاصيل الخطة الهجومية. وأضافت الصحيفة، في حينه، أنه في الرابع من أيلول، دخل إلى دير الزور مقاتلو وحدة «شلداغ» (الإسرائيليلية) للإشارة إلى الأهداف بواسطة أشعة ليزر.
حدّد موعد الهجوم في الخامس من أيلول 2007. عند الساعة 23:00، خرجت عشر طائرات من القاعدة العسكرية الإسرائيلية «راموت دافيد» باتجاه البحر المتوسط. بعد 30 دقيقة من الإقلاع، تلقت ثلاث طائرات من العشر أمراً بالعودة إلى القاعدة. الطائرات السبع الباقية واصلت وتلقت أوامر بالاتجاه نحو الحدود السورية التركية. ومن هناك دخلت إلى اتجاه المفاعل النووي. وقال الكتاب إنهم، في الطريق إلى هناك، «دمرت (الطائرات) جهاز رادار لتشويش القدرة السورية على التقاط اختراق الطائرات (الإسرائيلية)».
بعد دقائق قليلة، وصلت الطائرات إلى دير الزور حيث أطلقت على المفاعل، بحسب الكتاب نفسه، صواريخ من طراز «ماوريك» جو ـــــ أرض، وقنابل تزن الواحدة منها نصف طن «أصابت الهدف بدقة، ودُمِّر المفاعل خلال دقائق».
❞في آب 2007، خرج أفراد من وحدة سييرت متكال إلى دير الزور وأخذوا عيّنات من التربة
بعد الغارة اتصل أولمرت بأردوغان ليبلغ السوريين بأن «وجهة إسرائيل ليست للحرب»
❝وقال الكتاب إن «الإسرائيليين خافوا من ردّ سوري، فاتصل أولمرت برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وقال له أن يبلغ السوريين: إن وجهة إسرائيل ليست للحرب».
الرواية، التي يسردها الكتاب الجديد قالت إن «صدى الطلقات الأخيرة لقصف المفاعل السوري تردّد بعد 11 شهراً (على الغارة الجوية) وفي 2 آب من عام 2008»، عندما اغتيل العقيد محمد سليمان خلال إجازة استجمام في مدينة طرطوس السورية الساحلية. وعرض الكتاب العلاقات المتينة بين سليمان وعائلة الأسد، مدعياً أن «سليمان كان المساعد الأول للرئيس الأسد، وهو من كان مسؤولاً عن إقامة المفاعل وحراسته». وجاء في الكتاب أنه «في داخل النظام سمّوه الرجل الظل للأسد». وزعم الكتاب أن «سليمان كان حلقة الوصل بين القيادة السورية وكل من إيران وحزب الله».
وعن عملية الاغتيال، جاء في الكتاب الإسرائيلي أنه «كان في ضيافة سليمان في منزله الصيفي في شاطئ طرطوس، عدد من الأشخاص الذين كانوا يسهرون معه ويجلسون حول المائدة في شرفة المنزل في تلك الليلة». ولم يشر الكتاب إلى هوية غطاسيْن ـــــ قناصين.
وقال الكتاب، مشدداً على عدم الكشف عن هوية القناصين، إن الاثنين «وصلا من مكان بعيد، من طريق البحر، على متن سفينة أنزلتهما على بعد كيلومترين من بيت سليمان. من هناك، واصلا السير غطساً إلى حين اقتربا من البيت. كان الاثنان قناصين محترفين، صاحبي خبرة وهدوء أعصاب نادر». وأضاف: «شاهدا سليمان يجلس على كرسي وسط الطاولة ومن حوله الأصدقاء». وبعد التأكد من وجود سليمان جالساً عند المائدة، خرجا إلى الشاطئ وأطلقا النار على رأسه من مسافة 150 متراً وكانت الضربة قاتلة».
--------------------------------------------------------------------------------
اعتراف نتنياهو
بعد عملية دير الزور، حاولت إسرائيل، التكتم على العملية المذكورة. رفضت الكشف عن أي تفاصيل تذكر أو الاعتراف بأنَّها هي من قامت بعملية القصف. لكن في تلك الفترة، وصل رئيس المعارضة في حينه بنيامين نتنياهو، إلى استوديوات الأخبار في القناة الإسرائيلية الأولى. سأله مقدّم الأخبار الإسرائيلي حاييم يفين سؤالاً عن العملية، فردّ نتنياهو بقوله: «عندما تفعل الحكومة من أجل أمن إسرائيل فإني أساندها. وهنا أيضاً كنت شريكاً بالأمر منذ اللحظة الأولى ومنحت لهذا مساندةً»، قاصداً عملية دير الزور.
أثارت تصريحات نتنياهو، التي جاءت أثناء التكتّم الإسرائيلي، غضب المقربين من أولمرت الذين ردّوا بغضب أكبر على التصريحات بقولهم: «نحن في صدمة مطلقة من هذا الرجل (بنيامين نتنياهو). إنه عديم المسؤولية. إنه بيبي القديم».
من بعدها، في عام 2008، بعد سبعة أشهر على العملية، أعلنت الإدارة الأميركية أن المنشأة، التي قُصفت في سوريا، هي «مفاعل نووي» بُني بالتعاون مع كوريا الشمالية ولم يُعَدّ «لأهداف سلمية».
_______________