بستان شلغين
هذا بعض ما ورد في ملحمة الشيخ المرحوم أبو علي قسّام الحناوي في وصف وعرة اللجاة
حين تعرض جبل العرب للمحنه التي فرضها عليهم ابراهيم باشا ابن محمد علي الكبير حاكم
مصر فعلى مد النظر في شمال غرب محافظة السويداء تقوم وعرة اللجاه والتي تروي للناظر
قصة الاعوام والدهور التي خلقت هذه السطوح الصخريه المتصله مع بعضها عدا فجوات هنا
وهناك وقد اسودّت وتجعدت وتشققت لتدل على عشرات الآلاف من عمرها الطويل ولو قُدر
لأحدكم زيارة قريه صغيره قائمه بين تلك الصخور وكأنها أعشاش النسور سيرى عدداً من هياكل
الرشاشات الحربيه وقذائف الطيران التي لم تنفجر بعد وقد استعملها الأهالي سدادات لأبواب
زرائب حيواناتهم أو ارتاجاً لأبوابهم لتأكد له أنها قريه لها تاريخ بطولي في محاربة المستعمرين
الفرنسيين وانها قد دارت حولها معارك عديده كان النصر في غالبيتها حليفاً للمجاهدين من جبل
العرب الأشم
إنها قرية (صميد) البطله والتي ولدت وعاشت فيها بطلة حكايتنا هذه وأنجبت وتركت ذكراً
حسناًوقولاً جميلاً إنها المجاهده البطله بستان شلغين التي ذكرعنها الدكتور عبد الرحمن
الشاهبندر في كتاب مذكراته عن الثوره الوطنيه السوريه في الصفحه (100)مايلي:
(ومنها إلى وقم فخرساء فصميد حيث نزل هو وأخوانه في بيت المرحوم جبر شلغين
فاستقبلتهم
صاحبة البيت خير استقبال وكانت مثلاً في صفات الكرم والرجوله العجيبه تملأ العين )
هذه هي المجاهده بستان شلغين زوجة هايل شلغين وبطلة حكايتنا
ففي عام 1926 في فصل الربيع كانت اللجاه مسرحاً للعمليات الحربيه الدائره بين حملة الجنرال
أندريا )الكثيرة العدد والدائمة المدد وبعتاد لا يعرف النفاذ وبين عصبة كريمه من من الثوار الذين
عوضوا نقص عتاده بقوة إيمانهم وصدقهم في المرابطه والجهاد حتى ضربوا أروع الأمثله
واسقطوا للعدو اثنتين وعشرين طائره خلال اقل من تسعين يوم كما ورد في رسالة الامير عادل
ارسلان الى المجاهد المرحوم علي عبيد
فإذا حلّ الظلام كان المجاهين يحلوا ضيوفاً على اخوانهم من سكان قرى اللجاه يسترحون
ويتحدثون ويخططون لمعارك اليوم التالي وهكذا كانت السيده (ام حمد )بستان شلغين
تهيئ للثوار زادهم مما ادخروه من مؤنتهم حتى نفذ كله فاضطرت ام حمد الى بيع أساورها
وحليها لتشتري بثمنهها طحيناً وأداماً للثوار
وكم استعانت بنساء من جاراتها وقريباتها لينجزن لها عجين الطحين لتحوله ارغفه في أيدي
المجاهدين ومع ىذلك تبقى راضيه مبتسمه ومقبله عليهم بدعابات خفيفه
تحيّي منهم من يظهر شجاعه مميزه فتمنحه حصةٍ أفضل من زادها وتلوم وتعتب على من قصّر
عن ايداء واجبه في المعركه ولا تنسى أن تهدده بحرمانه من الطعام ان تمادى
والخلاصه كانت بستان أماً وأختاً ومحلاً للإحترام والتقدير من الجميع
وكانت تذكرهم دائماً بأن العمر محتوم في كتاب وأن من يطلب الموت توهب له الحياة
وأن يموت الإنسان شهيداً أفضل من أن يموت جباناً طريداً
وجاء يوم عاد فيه المجاهدون كعادتهم قبل الغروب وقد ظهر الألم والحزن على وجوههم
وفي عيون البعض دمعه وفي كل الحلوق غصه
كانوا يسوقون معهم فتىً يافعاً مكتوف اليدين أسمر اللون طويل القامه وقد ارتدى زي العساكر
الفرنسيه.....
راحت أم حمد تتفقد ضيوفها واحداً واحداً وتقرأ الأخبار في وجوههم وقد أشاحوها عنها تحاشياً
من النظر إليها ومن هؤلاء المجاهدين الأمير عادل أرسلان الذي تمالك نفسه ثم خاطبها قائلاً:
يا ست أم حمد :بكل الألم ننعي إليكِ استشهاد ابن شقيقك جبر شلغين بعد ان قام بواجب
الجهاد وأتى من البطوله مالم يقدر عليه غيره وقد دفع روحه الزكيه ثمناً لبطولاته
وها نحن قد أتيناكِ بهذا العسكري لتثأري لإبن شقيقكِ بيدكِ ...فخذي بثأركِ علّ ذلك يبرد
جمرة حزنكِ
صمتت أم حمد قليلاً وقد امتلأت عينيها بالدموع ثم رفعت رأسها وخاطبت محدثها الأمير قائله:
ياأمير: أولاً :من حظر السوق باع واشترى وكان ممكن لأي واحد منكم أن يقتل أو يُقتل
فالرزق مقسوم والعمر محتوم وتلك هي إرادة الله سبحانه وتعالى
ولا نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ثانياً: تعلمون أن هذا العسكري لا يكافئ ولا يوازي (زعل ) زين الشباب وفارس الفرسان
ثالثاً : إن ملامح هذا العسكري تدل على أنه مغربي فهو عربي ومسلم وقد جندوه لقتالنا غصباً
عنه فهو لم يختر حربنا بإرادته ....فنحن والمغاربه في المحنه سواء .....ولأ تنسوا أنه أسير
وهل تقبل أخلاقنا وشهامتنا قتل الأسير؟؟؟
وأريد أن تعرفوا جميعاً أنني أم وأدرك كيف يكون حب الأم لولدها .....إن أمه تنتظر عودته
وطالما أنا صاحبة القرار في مصير هذا الجندي فإني أطلق سراحه بيدي ...احتساباً لوجه الله
ةحفاظاً على سمعة الأهل والعشيره
وتقدمت أم حمد تفك وثاق الأسير الذي راح يقبل يديها وأطراف ثوبها وهو يبكي اعترافاً بجميلها
وأشارت إليه إلى الجهة التي يمكن أن يعود منها إلى معسكره
وعادت المجاهده بستان شلغين تذرف الدموع وتندب شهيدها
فهل هناك من يطاول أخلاق تلك البطله ؟؟
وإكراماً لذكراها أطلقت مديرية التربيه اسمها على احدى المدارس في مدينة صلخد لتبقى
ذكراها محفوظه في ذاكرة الوطن