*************** الفارس الملثّم ****************
ماكل طالع كان نجم سهيل.............................ولا كل ساهر ليل طاهر ذيل
ولا كل فارس كان عنتر عبس.....................ولا كل أبيض خيل كان كْحيل
أما بطل هذه الحكايه كان يمتطي الفرس الكحيله الأصيله........وقبل أن ينبلج الصبح
صاح بزوجته : أسرجي الفرس يا امرأه ولا تنسي أن تضعي بالخرج مؤنة ثلاثة أيام
لأنه كان يعلم جيداً أن المسافه إلى واحة الأزرق في شرقي الأردن والعوده منها تستغرق تلك
الأيام الثلاثه
أما غرضه فهو حمل رساله من سلطان باشا الأطرش إلى الأمير فيصل ابن الحسين والذي قيل
أنه خيّم فيها
وهو في طريقه إلى تحرير بلاد الشام من بني عثمان كان ذلك عام 1916
كان صديقاً مقرباً من سلطان , ورجل له من الحكمه والدرايه والشجاعه ما يؤهله لمثل هذه
المهمه
وما أن (ذرت الغزاله قرنها)حتى كان في طريقه إلى الأزرق مع رفيق عمره وصديقه
(أبو حسن سلامه زيتونه)إنهما رفاق طريق , والرفيق قبل الطريق كما قيل في الأمثال
كان يلبس العقال الأسود فوق كوفيته ويتجلب بالعبائه الشقراء المطرزه بالقصب على حوافها
ويحمل محبوبته الباروده العصمليه في كتفه , والتي لم تخيب مره ظنه بل كانت مؤنسته على
الدوام
في وحشته , ومانحه له الثقه لصيانة كرامته وروحه . الباروده التي قد يحتاجها الإنسان مره في
العمر
لكنها عندها تساوي كل أيام العمر
وانطلق الصديقان يقطعان سهوب الباديه وكثبانها , فقد عَبدّت سنابك خيل عشيرتهما لهما الدرب.
فالدرب معروف ولا خوف عليهما من الضياع , وكأن الشاعر قد وصفهما عندما يقول:
كان جدي بزمانو.............يركب عا ظهر حصانو
حامل دمو عا كفو ..................والباروده عاكتفو
.........وما حدا بيعرف عنوانو..................
وما أن توارت الشمس خلف الأفق حتى وصل المسافران المحل المقصود ودخلا خيمه زرقاء
كبيره
ودائريه على غير ما عهدا من خيام البدو ..........إنها خيمه انكليزيه نُصبت خصيصاً للأمير فيصل
قد علما أن الأمير غائب وسيعود ظهر اليوم التالي , وباتا ضيفين بانتظار الغد الجديد وكل غدٍ
لناظره قريب
ولنستمع الأن لرواية أبي حسن سلامه زيتونه يصف لنا اللقاء مع الأمير في اليوم التالي:
(وجدنا بضعة رجال من البدو في خيمة الأمير وبعد أن قُدمت لنا القهوه المره , وأاكرمونا كضيوف
سألنا عن الأمير فقيل لنا ..........يلفي .........وعند الضحى رأينا مشهداً غريباً لم نره من قبل
رأينا قبه زرقاء على شكل مظله تشق عنان السماء وراحت تقترب نحونا الهوينا. فقيل لنا:
ها قد جاء الأمير ونزلت الكره الزرقاء التي كانت معلقه بين السماء والأرض على بعد خطوات من
الخيمه
كانت مثل مظله وقد تدلت منها سله كبيره , تحمل رجالاً أربعه كان منهم الإنكليزي الذي يسوق
البالون
كما سموه والأمير فيصل ابن الحسين وبصحبته نوري الشعلان شيخ قبيلة _الروله_ وهي فخذ
من عْنزّه_
القبيله المعروفه بكثرة عددها
ثم سلمنا على الأمير ورفاقه وقدم له رفيقي رسالة سلطان الأطرش التي كلفه بحملها , وقرأ
الأمير الرساله
وأغدق الثناء على سلطان وعشيرته .أما فحوى الرساله فهو:
إن سكان الجبل من بني معروف . يقفون تحت تصرف الثوره العربيه الكبرى,وهم رهن إشارة
القياده
للمسير , وقتال الجيوش العثمانيه , وتحرير دمشق
لكن ذلك لم يعجب النوري ابن شعلان فخاطب فيصلاً قائلاً _يا أمير ذول الدروز يميلون مع الريح
كيف ما يميل
ولا أمان من جانبهم _ فما كان من رفيقي إلا أن انتهره وكأنه من خدمه
وقال له _هبيت_ أي كذبت فهذه عوايدك مش عوايدنا وعن قريب يكون موعدنا الشام
فإما نفر نحن من المعركه , أو أنت الذي تنهزم مع عشيرتك , ومشى نحوه يهز قبضته في وجهه
نعم إنه رهان قد قام للتو
من سيسبق إلى المعركه ومن سيصمد فيها؟؟ومن يكون كذيل الدجاجه يميل كيفما تميل الريح
ومن سيصمد كالجبل في وجه الريح ؟؟
وتدخل الأمير فيصل ولام النوري على مقالته . وأثنى على بني معروف ثناءً صادقاً . وصريحاً
ونعتهم بنعوت لا تكون إلا لخيار الناس
ومرت أيام قليله ووصلت إشارة فيصل إلى سلطان الأطرش . بكتاب يقول فيه
(الملقى باكر إلى دمشق )
واستنفر سلطان رجاله, فأتى إليه أهالي القرى المجاوره بخيلهم وابلهم وكامل سلاحهم
وكانت حمله ضمت بضع آلاف من المجاهدين وبدؤو جهادهم بفتح مدينة بصرى
واستولوا على قلعتها , ثم اتجهت الحمله شمالاً , والتقت في بلدة شيخ مسكين بحمله
ثانيه من بني معروف انحدرت إليهم من السويداء وجوارها ومن قضاء شهبا وقراها
وفي حوران التقى سلطان الأطرش ورجاله بحملة الشريف ناصر المؤلفه من جيش
البدو ومنهم النوري ابن شعلان ورجاله . إظافة إلى مجاهدي لواء حوران
وسارت الجموع الهادره نحو دمشق , ولما بلغت بلدة الكسوه , أطلت على تلال المانع
التي تحرس دمشق من جنوبها وكان العثمانيون في انتظارهم
فقد أقاموا تحصيناتهم ومدافعهم القويه في تلك التلال , ومنها أربع بطاريات مدفعيه
أخذت تصب حممها عل جموع المجاهدين
الذين أذهلتهم المفجأه , وبدأت القنابل تنفجر بين صفوف المجاهدين
وذُعرت الإبل والخيل من أصوات المدفعيه
فنكفأت الحمله البدويه على أعقابها لتخرج من حقل نيران المدفعيه
ولم يبقَ في الساحه إلا سلطان الأطرش ورجاله ..........
وبالتالي فقد ربح رسول سلطان الأطرش رهانه مع النوري ابن شعلان
وهنا قد رأى المجاهدون أن خير وسيله للدفاع هي الهجوم
وأن التحام المجاهدين بأعدائهم يبطل جدوى المدفعيه .........وأُعطيت الأوامر بالهجوم
وصح التوقع بأن خير وسيله للدفاع في مثل هذه الحلات هي الهجوم
وعند اندفاع الخيل إلى الأمام صادف المجاهدون جسراً قرب قرية الحرجله
وإذ بواحد يصيح بأعلى صوته ........قفوا يا ناس ............
قفوا .....هذا لجسر ملغّم .... فلا يتقدم أحد قبل التأكد من السلامه
وقفت الخيول ووقفت الحمله ........وإذ( بفارسٍ ملثم ) يهمز فرسه متقدماً الجموع
ومرت الفرس راكضه فوق الجسر . ذهاباً وإياباً ........إنه الإختيار المؤكد بأن الجسر
غير ملغّم ......فليعبر الجميع بسلام !!!!!!!!!!!
ومرت الجموع .......وأكببر الناس تضحيه هذا الفارس الملثم الذي توخى ألا يتعرف عليه أحد
وهكذا بدأ هجوم صاعق , انتهى باستسلام الحاميه العثمانيه لفرسان الجبل , وكانوا حوالي ثمانمائه
من العساكر (وقائدهم رضا باشا الركابي الدمشقي الأصل ) الذي أسره فرسان قرية (الغاريه)
وهو في حاله مزريه
ولما تعرف عليه سلطان الأطرش قال له : دعك من أعداء بلادك .....فقد تركوا الأرض لأصحابها وانهزموا
ودخل بنو معروف دمشق , فاتحين ........ونثر عليهم أهالي المدينه الورود , والرز ,
والملبس, ابتهاجاً
بقدومهم ورفعوا علم الثوره العربيه الكبرى , الذي كان يخفق فوق رؤسهم في (القريا) فوق
سرايا دمشق
وبعد ستٍ وثلاثين ساعه دخلت حملة الجيش العربي ....بقيادة الشريف ناصر ...........
ومعه النوري ابن شعلان................
وسأل المرحوم عطاالله الزاقوت المرحوم سلطان باشا الأطرش حيث قال له .
يا باشا لقد سمعت هذه القصه من الشيخ جادالله شلهوب من القريا , وسألته عمن يكون هذا
الفارس
الملثم ......الذي قطع الجسر عل فرسه ليفجره بنفسه افتداء لرفاقه ...........فقال لم أعرفه
فمن يكون هذا الفارس يا باشا؟؟
فابتسم سلطان الأطرش وقال ألم يخبركم من هو هذا الفارس ؟؟
فقلت :لا لم يخبرنا
قال سلطان : إنه هو نفسه الشيخ ( أبو نسيب جادالله شلهوب ) من قرية القريا
وهو رسولي إلى فيصل في واحة الأزرق
وعدت لأسأل ( أبو نسيب جادالله ) لما لم يفصح لنا عن اسمه ؟؟ وتنكره للحقيقه
فقال : لقد استحييت لأن القاعده في زماننا تقول
اطعم واسكت ..............واطعن واسكت .................!!!!!!!!!