--------------------------------------------------------------------------------
"زيد الأطرش": عاش مديداً لكن شعره تفوّق عليه ليحيا
لم يذع صيتاً لشخصية بعد "سلطان الأطرش" بقدر ما تحقق لأبي غالب "زيد الأطرش" الذي ناضل في زمن الاحتلال وصدرت بحقه ثلاثة أحكام بالإعدام ليعود لوطنه الذي انتمى إليه بكل جوارحه وينتخب عضوا في البرلمان، وينعم مع أبناء وطنه بثمار الاستقلال عقوداً كان فيها صاحب الرأي والمشورة لأبناء "جبل العرب".
موقع eSuweda وبهدف الإضاءة على مسيرة "أبو غالب" الغنية يسرد مواقف مازال أهالي المنطقة يرددونها، ليضيف ما نقلت ذاكرة أبناء بلدته من صور لشخصية عاشت سنوات طويلة، لكن شعرها تفوق عليها لينعم في حياة متجددة بألحان محبي الحياة.
عن الشعر وما تناقله ووثقه كثر من بعده حدثنا العم "أبو زياد فارس شقير" أحد أهالي "القريا" الذين عاصروا "زيد الأطرش" وكانوا شهود عيان على أحداث مؤثرة فقال: «نشأ المرحوم الشاعر "أبو غالب زيد الأطرش" ونهل من معين الأخ الأكبر "سلطان الأطرش" الذي هيأه لمهام ارتبطت بتاريخ الثورة السورية الكبرى وتحمل مسؤوليات كبيرة في إدارة المعارك ووضع الخطط، لتبنى شخصيته على جذور عميقة استقت من عشق أهالي "جبل العرب" للحرية وافتداء الوطن، "أبو غالب" الذي أتقن القراءة والكتابة كان يحسب مع أصحاب الفكر الذين خبروا الحياة من خلال تنقله الواسع بين المناطق واحتكاكه مع أبناء الجبل بشكل خاص وعشائر سورية ولبنان، وبالنسبة للشعر فلم تغب أي مناسبة وطنية أو قومية عن ذاكرة هذا الشاعر الذي فاض بغزير شعره أيام الجهاد والثورة، وقد نادى به شعراء الجبل ولقبوه "شاعر الجبل"، يتغنون به ويحتكمون له يساجلونه ويراسلونه ويهدونه قصائدهم وكانوا يعارضونه لا لسبب المعارضة بل لتكون مساجلة شعرية يقدمون من خلالها أجود أشعارهم، ومن شعره القديم الذي قاله بعد معركة "قيصما":
الخمس جضن يوم علمك لفالي/ صياح كني فوق نارٍ على كير
من واهجي ناديت وين العيالي/ هلي لهم عادات ذبح الطوابير.
ومن القصائد التي مازالت تردد وكانت مجالا لمساجلات شعرية متعددة رد عليها عدد كبير من
شعراء الجبل تلك التي بعثها تحية للجيوش العربية التي خاضت حرب تشرين 1973 ومطلعها:
من هضاب شاد هلنا فوق منا/ موطنا للعز موفور الكرامة
من جبل حوران بيعرب تكنا/ يلمشكك دونك وشاح الوسامة.
وقد فاضت قريحة الشاعر 1990 حزنا وأسى وهو من اشتهر بشعوره القومي ليكتب مخاطباً الشاعر المرحوم "عيسى عصفور" بقصيدة مشهورة قال فيها:
كثرت هموم عصرنا يا عيسى/ واحتار فكري كيف بدي قيسا
فكري يوجهني نحو شط العرب/ ويقول من هانا بدي تأسيسا
يا عرب الحل المشرف بيدكم/ لا هو بلندن ولا جنيف ونيسا.
ليرد عليه الشاعر "عيسى عصفور" أحد شعراء المنطقة المثقفين وهو المتعلم الدارس، الذي يقدر تجربة هذا المناضل وشعره الجزل، ليقول متغنياً بمجد "أبو غالب" وسيرته الحميدة:
يا شاعر الجيلين أمس واليوما/ يا فارس الميدان عند الحومة*
دار الظلم بسيفكم مهدومة لو/ ولو كان عاصم الصفا** تأسيسا.
لذا فقد كان هذا الزعيم قائداً لحركة شعرية وثقت لعصور خلت يعود الفضل فيه لهذه الشخصية، التي تذكر مواقفها في الصلح والخلافات الاجتماعية والتوفيق بين العائلات وحل المشكلات الكبيرة، وكان العمر الطويل نعمة استحقها "زيد الأطرش" فقد تجاوز التسعين من العمر وهو ينظم الشعر الشعبي والموزون ويثير إعجاب كل من قرأ أو سمع شعره».
وإلى جانب الشعر فقد كان احد الشخصيات الحاضرة في تاريخ سورية حسب الباحث "حسن القيسي نصر" في عدد من المؤلفات التي وثق فيها لأحداث للثورة ومنها "قراءات في جبل العرب والثورة السورية الكبرى" وجاء على لسان هذا الباحث عن "زيد الأطرش": «كان عام
1925 كان حاسماً حيث قاد معركة "حاصبيا" في لبنان وكان على رأس 1500 محارب بعد المشاركة في معارك "الغوطة"، ومعركة "راشيا" وكانت أيام قاسية على المجاهدين ظهر فيها "زيد الأطرش" كناطق باسم قائد الثورة وأثار اهتمام العديد من الكتاب وكانت له مواقف سجلت من خلال أشعاره التي ارتبطت بالتاريخ ارتباطاً وثيقاً».
ومن المؤلفات التي تناولت شخصية "أبو غالب" مؤلف بعنوان: "زيد الأطرش شاعر السيف والقلم" جمع فيه الباحث "عطا الله الزاقوت" تفاصيل وقصائد عبرت عن تسعة عقود غنية، قال في بعض فصوله: «ولد في بلدة "القريا" عام 1904 التي تفيض الحناجر بعبق الماضي لتحكي تفاصيل الزمن الجميل وكيف اقتدى بالسيف والفكر، حيث شغل وظيفة مدير ناحية "القريا" قبيل قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925 التي قادها شقيقه فانضوى تحت لواء الثورة، وقد كان معه في ثورته الأولى على الفرنسيين عام 1922 خاض معركة "تل الحديد" مع المصفحات الفرنسية التي قدمت من "دمشق" ودمر المجاهدون إحداها وطاردها المجاهدون ومنهم "زيد الأطرش" على خيولهم إلى سهل "حوران".
رافق "سلطان" في منفاه في بادية "الأردن" إلى أن عاد الجميع بعفو، وكان في طليعة المجاهدين في معركة "الكفر" أولى معارك الثورة السورية أثبت فروسيته في معارك "المزرعة" و"المسيفرة" ومعارك "اللجاة"، وبعد ثلاثة أحكام بالإعدام من قبل الدولة المستعمرة عاد للوطن بعفو عام على أثر مشروع المعاهدة السورية- الفرنسية عام 1936 وبعد انتخابه نائبا في البرلمان السوري تابع النضال السياسي، ودخل سلك الدرك السوري عام 1942 وشغل منصب قائد كتيبة برتبة عقيد ثم تحول إلى الشرطة المدنية وتقاعد فيها برتبة لواء».
في عام 1996 انتهت رحلة الحياة في بلدته التي أمضى فيها عقوداً بعد تقاعده من الجيش، ولتبقى سيرته مثار اعتزاز وفخر لكل أبناء "القريا" تلك المسيرة التي تعجز بواطن الكتب عن وصفها وإعطاء كامل حقها.