انفرد الموحدون الدروز بعدة خصائص,وانتشرت دعوتهم بادئ الأمر بين الإسماعيليين حتى غدت العقيدتان مختلطتان إلى أن انفصل الدروز بمذهبهم الديني المستند إلى رسائل دعاتهم التي تشرح مذهبهم,"وقد عرفوا بالأعراف وغلب عليهم في حوران في العهد الأخير لقب آل معروف دعوا به تحبباً وهذا من شعار اليمنيين,لانقسام هذه الطائفة إلى أصلين من أمهات أصول العرب في هذا القطر وهما القيسية واليمنية ".
وفي عام 1959قال شيخ الأزهر : لقد أرسلنا من الأزهر بعض العلماء كي يتعرفوا أكثر على المذهب الدرزي فأثبتت التقارير بأن الدروز موحدون مسلمون مؤمنون.ويرى الدكتور عبد الرحمن بدوي :"أن الدروز يأخذون بمذهب أبي حنيفة في كثير من أمور الفقه".
وهم يهتمون بتنفيذ باطن الدعائم الإسلامية: فعندهم الصلاة بكيفية خاصة وحفظ الصلة بين الإنسان وخالقه وصلة القلوب بالتوحيد والزكاة تزكية القلوب وتنقيتها من المفاسد وتطبيق نص آية سورة التوبة إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم
والصوم متى شاء المرء لوجه الله وخاصة الثلث الأول من ذي الحجة وصوم الجسد والنفس عن المعاصي,والصمت عن الآثام .
والجهاد عندهم جهادان: الأكبر هو مقاومة ما تأمر به النفس من السيئات وردعها عن الرذائل, والأصغر وهو مقاتلة كل معتدي ومقاومة كل ظالم والدفاع عن الحق وصيانة الأعراض. ومن مبادئهم الدينية:الصدق, فمن لم يصدق بلسانه فهو بالقلب أكثر نفاقاً, فالصدق رأس الفضائل كلها لأن الصدق هو الإيمان والتوحيد بكماله.
وثم حفظ الأخوان:فالإنسان أخو الإنسان وواجب المرء المحافظة على أفراد المجتمع والبيئة التي يعيش فيها ويتجانس معها بالمعتقد والآراء والعادات فيحفظ عهودهم ويصون ذمامهم ويرعى حقوقهم ويقضي حاجاتهم ويذب عنهم بالمال واليد واللسان,فإن كان ذا علم هداهم بعلمه وان كان ذا قوة حفظهم بها وان كان ذا مال برهم بماله.
ثم ترك عبادة العدم وتوحيد الخالق والرضى بفعله والتسليم لأمره والآية تقول: ومن يسلم وجهه إلى الله وكفى بالله وكيلاً. وتوكلهم مقروناً بالاعتماد على النفس في متطلبات الحياة .
ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الاعتقاد بالعرافين"لأن الله عنده علم الساعة ...وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".
وفي رسالة الرد على المنجمين قال الشيخ بهاء الدين:كما تقدم-"خلل عقل من جعل النجوم الجمادات أحكام بتقدير وسعد ونحس , وإن لها في أرزاق العالم وقسمتها تدبيراً وتأثيراً فمن رضي بقولهم أو بشيء منه فقد أشرك بباري المبروءات وبرىء من إله الأرض والسموات ....".
ويعتقدون بوحدة الأديان وإنها تهدف لغاية واحدة ,وإن الأنبياء هم مثلين لروح واحدة نطقوا بدعواتهم بأسس متشابهة وإن كل دين يؤيد ما سبقه بالدعوة لعمل الخير وكأن حدود التوحيد ينصرون كل نبي بعصره لإشهار أمره وتعزيز رسالته
ويعتقدون بظهور نور الناسوت فالصورة الناسوتية التي يتجلى بها الله هي صورة بدون جسد كالناظر إلى ذاته في المرآة
"فالموحدون يؤثرون فكرة التنزل أو التجلي ويحصل ذلك عندما المتحقق الحكيم يتخلص من تلك الآدمية فتفيض عليه الصفات الربانية وتتجلى فيه الأنوار الإلهية فاللاهوت لا تدركه العقول ولا تقيسه الأفهام ,انه متعال عن الزمان متسام عن المكان خارج عن الحد والمحدود لا ينحصر في علم ولا يرى في فهم" وانه منزه عن الأسماء والصفات ليس له نفس ولا روح ولا شخص ولا جسم ولا شبح ولا صورة ولا بداية ولا نهاية ,عادل بفعله قادر لا مرد لحكمه.
ويمكننا أن نقول : إن الناسوت من اللاهوت كالحظ من المعنى وكما إن فكر الإنسان المحدود بالكيفية والإضافة والزمان وما شابه ذلك لا يستطيع أن يدرك المعاني مجردة من الحظ أو الصورة أو الصوت , كذلك لا يمكن أن يدرك اللاهوت بوجه من الوجوه وإنما يتجلى الله في الناسوت ويكون هذا الناسوت قد تنزه عن كلما ليس هو في حقيقته وشموله فأضحى تشخيصاً للإنسان الكامل أي ناسوتاً مجرداً متطهراً مثالياً متنزلاً بتجرد الباقي السرمدي فيه عن التوهم والفناء.
وهذا هو التأنيس بالنسبة للآخرين بغية التعرف من خلاله إلى حقيقته الموجود في سعي بعضهم وتقربهم وطلبتهم للمشاهدة والتوحيد الآخر. وأحد مشايخ الصوفية يقول :
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا لخالقه ظاهرا في صورة الآكل الشارب
حتى لقد عاينه خلقه كلحظة الحاجب بالحاجب
وغيره قال :
ظهرت فلم تخف على ذي بصيرة ولولا حجاب النفس لم تك خافيا
خفاؤك عز والظهور تعرف لمن كان ذا قلب عن الكون خاليا
ويعتبر مسلك التوحيد في جوهره وانطلاقه الأول في محاولة عقلية لتفهم الإيمان والحقائق الإلهية والتقرب تدريجياً من الله ومشاهدته من هذا المنطلق لأن رأس الإيمان والتقوى معرفة الله.
ولعل امحوتب العلامة الذي اختصر الحكمة والذي بنى هرم السقارة كان أقدم معلم رجع إليه عقلاء التوحيد واعتبروه الاعتبار الأسمى حتى التقديس ولقب اليونانيون امحوتب بهرمس الهرامسة أي عالم العلماء,وغلب اللقب على الاسم الأصل حتى صار علماً لصاحبه.
وفي بعض الكتب إن هرمس المثلث بالنبوة والحكمة والملك هو الذي أمر بالدعوة إلى دين الله والقول بالتوحيد وعبادة الخالق وتخليص النفوس من العذاب والحض على الزهد في الدنيا والعمل بالعدل وقيل في هرمس أيضاً :هو النبي إدريس الذي قص القرآن قصته .
والعلماء الذين يعنون بالروحانيات في أوروبا وأميركا يعتبرون هرمس أول من بحث على الأرض في معرفة الروح وحاول تفهم غوامضها, وقد إنشاء هؤلاء العلماء جمعية لهم في لوزان تضم البحاثين الروحيين من جميع أنحاء الأرض أطلقوا عليها اسم أصدقاء هرمس وهي تصدر كل سنة كتابين عنوانهما (هرمس) تنشر فيها دراسات ونصوصاً روحانية مع سجل عام يحتوي على أحدث المطبوعات التي صدرت في هذا الموضوع.
فالحكمة التي هي جوهر التوحيد لا تتجزأ ولا تختلف في الجوهر ذلك لأن المصدر(الله)واحد والعقل الأرفع إرادة الإبداع
واحد والعقل البشري في استيحائه من العقل الأرفع هو أيضاً واحد يدرك الحقيقة مباشرة في الله .
من نور الله الواحد أبدعت الكائنات جميعاً وبهذا يبدو أن العقل الأرفع هو العلة الأولى للوجود (علة العلل) منه تنبثق الروح (النفس ) ومن الروح تنبثق الكلمة السابق ومن الكلمة تنبثق النفوس الناطقة ومن هذه النفوس ينبثق التكوين (مادة الوجود)" الحمد لله لمن أبدعني من نوره وأيدني بروح قدسه وخصني بعلمه وفوض إلى أمره وأطلعني على مكنون سره" وكذلك استقى حكماء التوحيد من بعض مناهل العرفانية الذي كان أتباعه يقولون بأنهم " أتوا معرفة طبيعية الله وصفاته معرفة كاملة متعالية " وهذا المذهب استوحي من الفيلسوف أفلاطون".
وقد سمي العقل الكلي نقطة البيكار لأنه هو البداية والنهاية ذلك أن العقل الكلي حسب معتقد التوحيد هو كالإرادة في الإبداع وهي بالبداهة أصل كل موجود وعلته هي علة جميع العلل في الوجود والله مصدرها وينبوعها ومعلمها.
فهذه الإرادة هي التي يسميها الموحدون (العقل الكلي ) لأنها تعقل الوجود عقلاً أي تربطه وتحصره وتحيط به وهي تمامه لكون جميع الصور بارزة منه , فهي البداية والنهاية , وهكذا ورد في بعض رسائل الدعوة بأن الدائرة تعود إلى نقطة البيكار . أما الباري سبحانه وتعالى فهو منزه عن الأفعال والصفات والإلزام, ويحل عن مشاكلة الأشياء بالذات فالعقل هو بكر قدرته وحجاب عظمته.
ولكم كل الشكر والتحية
من كتاب سعيد الصغير