ومن يتمعن جيدا بين السطور يري كيف كان الاستعمار التركي يبث التفرقة والفتن
معركة قراصة
بعد فشل مدحت باشا في
دعمه للحوارنة في هذه المعركة وكان قبل انهزامه في المعركة قد عقد اجتماعا
مع من استراعاهم من أعيان حوران وشيوخ العشائر . وقال لهم : بان لديه
فرمان سلطاني يجيز فيه للحوارنة أن يهاجموابني معروف لاسترداد القرى
المتنازع عليها . أن الدولة من حقها مساندتكم ماديا وعسكريا .
وكان الاجتماع في مضارب
الشعلان . ثم عقد اجتماعا ثانيا في ازرع . وكان قد كتب وثيقة تحالف بين
الحوارنة والبدو وتضامن بين بعض الزعماء من العشائر والحوارنة لمحاربة
بني معروف وكان قد وجه دعوة للأمير محمد الدوخي ولد صمير .
وصل الأمير إلى الاجتماع
متأخرا . وفور وصوله قال له الوالي لماذا تأخرت . قال من آتي ما تأخر .
قال اقرءوا عليه الوثيقة ليوقعها . قال : وما تعني الوثيقة قال : الوثيقة
عهد وتحالف بينكم وبين حوران ضد بني معروف . تعني انتم ونحن نتحالف لحضد شوكة
الدروز وكسر انفهم وإجبارهم على إخلاء القرى إلى ما غير ذلك قال : أن لا
أوقع ولا أوافق وضد كل من وقع عليها . قال الوالي ألم تسمع . لا تعاند من
إذا قال فعل ؟؟ أجاب ألم تسمع قول من غولب رحل وبلاد الله واسعة وأنا
وعشيرتي مع الحق لجانب بني معروف وغادر الاجتماع .
وبعد هذا الاجتماع حدثت معركة قراصة سنة 1878
هذه المعركة التاريخية
التي انتصر فيها الدروز على الأتراك والحوارنة والسلوط معا . وفي هذه
المعركة التي سد المرحوم الشيخ أبو علي الحناوي المدفع بعمامته
كتب بعضهم عن السبب
المباشر لهذه المعركة بأنها كانت بسب احمد الجوفي الذي اختطف إحدى بنات
درعا المدعوة فهيدي البروّم والتجأ الجوفي مستجيرا بياسين الموسى أحد
وجهاء قرية بصر الحرير تصحبه فهيدي . اعجب الموسى بجمال الفتاة فأحتفظ بها
لنفسه وطرد الجوفي المستجير به كالمستجير من الرمضاء بالنار
ذهب الجوفي شاكيا باكيا
إلى قرية تعارة وحل ضيفا على الشيخ سليمان نصر وحسب العادات والتقاليد
المرعية بين العشائر أرسل الشيخ سليمان نصر من يتكلم مع الموسى للإفراج عن
فهيدي ولكنه رفض الواسطة أنهاها
ثم التجأ إلى حيلة مشينة
يتخلص من منافسه على الفتاة المشؤومة فأرسل امرأتين يثق بهما إلى تعارة
ليقولا لاحمد الجوفي بان فهيدي تخلصت من الموسى وهي تثق بك ولم تزل تحبك
وتريدك وهي تنتظرك بمكان قريب من هنا
اقتنع الجوفي بكلام النسوة وحاول الذهاب معهن . ولكن لم تخفى عل الشيخ سليمان إنها خدعة من الموسى لقتل دخيله
فأرسل أخاه حمود بصحبته
ثلاثة فرسان من أقاربه ليكونوا لحماية الجوفي . وفي الكمين المعد خرج رجال
الموسى ومنهم أخيه هشمان ليفتكوا بأحمد وابتدأ القتال وكان حمود نصر قد
أطلق حشوت طبنجة كان يحملها فأصاب الخردق وجه هشمان فأفقده بصره
وبعد ذلك حاول آل نصر أن يصلحوا الموسى فرفض كذلك الصلح
المـــأســــــاة
في إحدى الأيام كان الشيخ
شبلي نصر يتفقد المراعي لحلا له بالقرب من بصر الحرير ولما علم أهالي بصر
هاجموه وتمكنوا من قتله فثارت ثائرة آل نصر وهاجموا قرية بصر وقتلوا 27
قتيلا بينما هم خسروا خمسة أشخاص وكانت بدء الشرارة
كان هذا التحرك الحربي مرده للفتن الشعوبية وبتحريض من الوالي العثماني كما قدمنا الذي
الجيش النظامي لجانب
الحوارنة فجرد مدحت جيشا مجهزا بالعتاد والمعدات الحربية وزحف حتى قارب
بصر فخيم هناك أرسل القائد العثماني إنذارا لبني معروف مع الأمير علي بن عدوان
يدعوهم للمصالحة فأوفدا من قبلهم المشائخ : سليمان حمود الأطرش والشيخ
إبراهيم أبو فخر للمفاوضة وإجراء الصلح بالطرق العشائرية . اتصل القائد
التركي مع حوران فرفضوا المصالحة . وبائت كل المساعي بالفشل . بني معروف
تكفلوا بدفع دية القتلى من الحوارنة ولكن رفضوا تقديم السلاح
المــــعركـــة
هاجم
الحوارنة والسلوط قرية الدويري واشتبكوا بقتال عنيف سقط فيه العديد من
القتلى من الفريقين . وقد صمد بني معروف بمهاجمة الجيش رغم سقوط ما يزيد عن
المائتي شهيد منهم . وقد استخدم الجيش ولأول مرة بنادق المارتين وكانت
سدنة المدافع تصب حممها على بني معروف لمساعدة الحوارنة
دور المرحوم الخالد الشيخ أبو علي الحناوي في المعركة
كان المرحوم الشيخ أبو علي مع نخبة من أبطال آل عزام وال أبو فخر وال أبو عساف.
وألا
أحد الفرسان من آل عزام يقول : يا شيخنا أبو علي : علي يفداك . انتخى
الشيخ أبو علي وقال رحمه الله ذهب شهيد الواجب والكرامة الوطنية . سل سيفه
وصكها غارة على الأتراك وكانت عباءته تتلقى الرصاص . وقيل عن لسان
الحاضرين في المعركة انه خرج منها اكثر من ثلاثين ثوم رصاص . وعلى ما يقال
أن هذه العباءة وضعت في متحف لندن في بريطانيا . وآخرون قالوا إنها في
استنبول
كيف سد المدفع بعمامته ؟؟إلى جانبه
جمحت به فرسه قرب سدنة
المدفع وكانت ضربة السيف التي قطعت رأس الطبجي وأخرست المدفع فترجل عن
فرسه وسد المدفع بعمامته إشارة النصر والظفر . وكان بجانبه البطل المغوار
الشيخ محمد أبو عساف الذي قفز جواده من فوق المدفع فعطله وطعن الطبجي
برمحه فأرداه قتيلا . ولهذا السبب لقب رحمه الله بالقميزي وانتهت المعركة
بفوز بني معروف
وبعد انتهاء المعركة حل
المرحوم الشيخ أبو علي ضيفا على إحدى مضافات الدور لآل الشعراني وكان الدم
متجمد على قبضة سيفه فسخنوا له الماء وغسلوا يده الكريمة حتى قدر وضع
السيف في جواه
وفي صباح اليوم التالي
للمعركة نقل بني معروف شهدائهم بعد أن استولوا على مخلفات الجيش من مؤن
ومعدات وعلى ألفين بندقية من سلاح الجيش والمرتزقة
وبعد اتصالات من وسطاء
الخير جرت المصالحة بين بني معروف والحوارنة باجتماع عقد (نوى) حوران تدخل
فيه القنصل البريطاني من جديد وعقد الصلح ومن بنوده إجلاء آل نصر من
الدويري إلى نجران وإسكان آل عزام مكانهم . ووضع نظام إداري للجبل وتحويله
إلى قائم مقام مقامية فيها ثمان نواحٍٍ وتعين سعيد تلحوق قائم مقام عليه
دفع بني معروف للحوارنة دية قتلاهم وعقد الصلح فيما بينهم .
لم يدم الصلح الذي عقد
طويلا بل تجدد القتال بعد تسعة اشهر عام 1880 اثر اعتداء أهالي الحراك على
تجار من بني معرف الأمر الذي دفع بني معرف لمهاجمة الحراك وغيرها من القرى
لم تتساهل الدولة
العثمانية في ذلك الوقت وهاجمت بني معروف بحملة كبيرة بقيادة المشير حسين
فوزي حيث أحرقت الثعلة و أتلفت مزروعاتها وفرضت قبول تطبيق النظام الإداري الذي نص عليه الصلح السابق . وعينت إبراهيم الأطرش قائم مقام محل سعيد تلحوق
بني معرف والمشير حسين فوزي باشا
بعد
هذه المعركة أصر المشير حسين فوزي باشا على إنهاء الخلاف والقسمة بين
بني معرف والحوارنة وبعد أن تدخل قائم مقام حوران محمد سعيد شمدين اغا واقنع
المشير بان الاختلاف الحاصل بين بني معروف والحوارنة على أملاك وقرى وأراض
وهذا من حق المحاكم القضائية بفصلها وليس من حق الجيش استعمال القوة قبل
صدور الحكم القضائي . وافق المشير لوقف العنف . ودعا قائم مقام حوران
باسمه واسم السلطة لعقد اجتماع طارئ في ازرع للنظر في الصراع القائم في
المنطقة ولتطبيق حلم مدحت باشا بنزع حماية بني معروف عن ازرع والشيخ مسكين
توجهت الدعوات إلى شيوخ حوران وشيوخ العشائر وشيوخ بني معروف
وفي اليوم المحدد
للاجتماع عقد بني معروف اجتماعا عاما فوضوا فيه فضيلة الشيخ أبو علي الحناوي
للدفاع عن حقوقهم فاشترط أن يكون برفقته ستين وجها من أعيان الجبل وقد
عرفنا منهم المشايخ : خليل كيوان احمد البربور محمد أبو عساف هزيمي هنيدي
دعيبس عامر ويوسف عزام ومن كافة العائلات المعروفة ونعتذر عن عدم الإحاطة
بأسمائهم
الاجتماع :
في اليوم المحدد مثّل السلطة عبد الرحمن باشا نائبا عن الوالي وقائم مقام حوران محمد سعيد شمدين اغا
ووفود حوران والعشائر
ووفود بني معروف تكلم باسم الدولة عبد الرحمن باشا بكلمة مسهبة متطرفة لصالح حوران وركز مطالب الدولة على سبعة بنود
أولا – على بني معروف دفع دية فايض القتلى الذين قتلوا في المعارك من حوران والعشائر
ثانيا – على بني معروف إعادة المنهوبات وجميع ما استولوا عليه من أملاك منقولة وخيول
ثالثا-[ دفع الضرائب الأميرية للدولة وخضوعهم لقانون المال ( ويركو
رابعا – نزع الأسلحة من أيدي بني معروف والحوارنة والعشائر والدولة ستكون مسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار
خامسا – الخدمة الإلزامية تعم كافة الشبان من حوارنة وبني معروف
سادسا – يتنازل بني معروف طوعا عن القرى المتنازع عليها ليتم تسليمها إلى حوران
سابعا – الدولة مسؤولة عن وضع خريطة حدودية يعترف بها الفريقان
وبعد أن أنهى كلمته ووضعه الشروط الجائرة باسم شروط الصلح . صعد على المنبر باسم بني معروف فضيلة الشيخ أبو علي وبعد البسملة قال :
أنني
أتكلم بأسم أخواني بني معروف كافة الذين شرفوني بتكليفهم في هذه المهمة
الحرجة والظروف الصعبة وباسم هؤلاء المشائخ الذي برفقتهم أقول :
أن البند الأول : الذي ينص على إجبار بني معروف دفع دية فائض القتلى هذا البند يتنافى مع قانون العشائر المرعية والمتفق عليه والذي ينص على ما يلي :
إذا وقع الصلح وساد السلام بين عشيرتين متحاربتين يكون (حفار ودفان ) أي لا نأخذ ولا نعطي فاصبح هذا البند مرفوض
أما البند الثاني الذي ينص على إعادة الغنائم والمسلوبات التي كسبها بني معروف هذا البند مقبول لان بني معروف غير معتادين على السلب والنهب
أما البند الثالث الذي ينص على دفع الرسوم والضرائب ويركو كذلك مقبول ونلتزم به كزكاة عن أموالنا
أما البند الرابع
الذي ينص على تقديم سلاحنا نحن في صدر البادية ويحوطنا الخطير من كل
الجهات وسلاحنا هو مصدر حياتنا وقوتنا وكرامتنا هذا البند مرفوض
أما البند الخامس
الذي ينص على الخدمة الإلزامية كذلك نرفضه لان جلالة السلطان أعطانا هذا
الحق بموجب فرمان سلطاني وأعفانا من المسؤوليات التي تمس مصالحنا فنحن
نحترم ونلتزم في أوامر جلالة السلطان ونرفض أمر الوالي
أما البند السادس
: أن القرى المتنازع عليها قد تقايضنا عليها وتبدلت قرى بقرى وعززناها
بالدم وإذا لزم نفديها بالدم ولا نسلمها إلا بالدم ويحكم بيننا وبينهم
البارود وعليكم وعليهم آلف مطرود النقا
وبعد
أن أنهى كلمته نزل عن المنبر وإذا أحد وجهاء البدو يتقدم نحوه ويطرح
السلام بكل تجله واحترام وقال : يا شيخ أبو علي هذه عباءة زعامة العشائر
نتشرف بتقديمها لحضرتكم وهي هدية رمزية اعتراف وتقدير من الأمير أخو عزرة
محمد الدوخي ولد صمير حيث قال :
حرام
يلبس عباءة زعامة العشائر إلا بني معروف أنهم أهلا لها ولهم تصلح الزعامة
والقيادة لا لغيرهم . وبالإثناء صعد أخو عذره على المنبر وقال : أنني
وباسم عشيرتي أؤيد ما قاله الشيخ أبو علي ونحن نعلم ونشهد أن القرى
استبدلت بقرى وهذه القرى بطبيعة الحال لبني معروف. وأنا وعشيرتي ولد علي كلنا
بجانب بني معروف ومع بني معروف لنا ما لهم وعلينا ما عليهم ونزل . وكان بانتظاره
الشيخ أبو علي فصافحه شاكرا موقفه الحازم لجانب الحق ثم قال له : لفت نظري
يا أخو عذره وأنت تفرك يديك وتهز كتفيك لما كنت أتكلم . أجاب كان ذلك
حماسا لكلامك الذي فجرته كالقنابل
وهكذا فشل الاجتماع وصرف النظر عن مطالبة الحوارنة بالقرى المتنازع عليها.[/center]